البـاب الاســــود
( 1 )
يفتح عينيه في تثاقل ..فلا يرى إلا قطرة من دمائه المتجلطه تتعلق بأمل بإحدى رموشه خوفا من السقوط ...
هو شاب كأي شاب .. عاني من زحمة المواصلات .. وتكاليف التعليم الجامعي خاصة في تحضيره للدراسات العليا ..
بداخله تتلاطم امواج الطموح و مثبطات الواقع ... لكنه لا يكف عن بث الأمل في نفسه .. وفي من حوله ..
بل تخطى حدود الواقع في بعث روح التغييرفي قلوب الآخرين ...
يحرك يديه التي لطالما خطت كلمات كتبها بكامل وجدانه .. فلا تتحرك ... أهو القيد الذي يعتصر حريته ... أم أن تحريق الأطراف هو السبب؟؟ .
- يابني انا خايفه عليك من السكه دي .
- متخافيش يا امي .
- يابني دول مابيرحموش ..دول كلاب صعرانه .
يربت على كتفها في حنان ويقول
إن كانوا كلابا فنحن اسود ..
الحق يا أمي لابد ان يبعث .. لابد له من انتفاضه ..
- ربنا يبعد عنك ولاد الحرام يابني .
يتذكر كلمات امه .. ويتذكر رده عليها ...
نعم يزداد العذاب يوما بعد يوم .. لكنه لن ينصاع لأوامرهم ...
لن يعترف ..ولن يوقع ...
سيظل ينتظر خروجه ليكمل المسير ..
او ينتظر وفاته عزيزا بلا ذل.
يسمع الفاظهم الماجنه وسبابهم الساقط من خارج هذا الباب ..
ذلك الباب الاسود الذي لا يأتي من ورائه اإلا المزيد من الألم ..
و المزيد من التصميم على الثبات ...
تزداد دقات قلبه وقعا ... وتكاد عروقه ان تنفجر ..
يشعر كما لو انه يرتدي شبكه تدق خيوطها في حنق فوق رأسه ..
يشعر كما لو أن عيناه تنتفخ في شده عزما على الانفجار الوشيك ....
- دول مابيرحموش حد يابني ..
يتذكرها ومعها كم هائل من المعاناه والعذاب ..
يتذكر ضغط دمه المرتفع ..
يتذكر حفلات الصعق الكهربي ..
يتذكر التعليق ...
يتذكر الاغتصاب ..
يتذكر مستهم البأساء .. فتلطف آلامه ...
يتذكر وزلزلوا ..
فيهدئ روعه ..
يقطع ذكرياته ذاك الصرير الذي امتزجت به صرخات من حوله ..
يعلق عينيه على ذلك الباب الملطخ بظلمه الظلم ويتمتم ..
- ألا إن نصر الله قريب ..
********
( 2 )
( 2 )
- ربنا يكرمك يا ابنى ويوفقك فى شغلك .. ويبعد عنك ولاد الحرام ..
يلتقط كف امه ويقبلها
- ايوه كده ادعيلى يا حاجه ..
- ربنا معاك يا ابنى ..
يلتقط مفاتيح سيارته ويسارع بالنزول .. يتذكر ابنه فيرتد الى غرفته
ليطبع قبله على جبينه الدافىء .. يتأمل وجه الرضيع بضع ثوانى ثم يهم بالخروج .
هو وجه من وجهين يطغي احداهما على الآخر ...
خاصة عندما يحين موعد العمل حينما يرجع الى طبيعته الممسوخه .. عندما تتعرى نفسه من لباس النفاق الاجتماعي ..
هو ليس بوحش .. أو هكذا يظن ويقنع نفسه جاهدا ... فما هو إلا لبنه في بناء .. ضلع في مضلع مشوه الاضلاع ..
لكنه يحب ذلك ... قطعا يحبه .. فما يقوم به إنما هو فن .. فن راق قائم على العقول ووالعلم والابداع و الابتكار ..
فن لا يتقنه إلا من يقدره ..
يلتفت بهدوء لينظر الى حقيبته .. التى تحوي علوم النفس وأخر ماتوصلت له العقول المبدعه في فنه المحبب .. وكلها تمكنه من السيطرة المطلقه و الوصول لما يريد واختراق ذات من يقف أمامه ..
كم من الانفس اخترق .. كم من العقول افسد .. كم من العزائم نسفها بعقله الفذ ودراسته التى يراها راقيه ..
وأدواته المستورده من بلاد الغرب و المطورة في بلاد الشرق..
يدخل بسيارته في بطن الصحراء ... تلفح حرارتها جلده برغم تكييف الهواء الموجود بها ..
تذيب بدأب غلافه الرقيق ... غلاف الحمل... غلاف الشهم النبيل و الفارس المخلص ..
تذيبه لتظهر من تحتها مسخا مشوها .. لا يرضيه الا لون الدماء منظرا و رائحه الألم عطرا فواحا ..
يهدئ من سرعته و يقترب من تلك الاسوار العالية ...
يهرول إليها كما يهرول الصغير إلى حضن أمه ..
تتسارع نبضات قلبه فرحا .. فهو في طريقه الي هوايته .. الى عمله والذي بدونه يفقد جانبه المظلم المسيطر على أركان تكوينه الخرب..
يلتفت بطرف عينه الى تلك الجثث المتراصه على جانبي الممرقد ارتدت السواد و اعلنت موت قلبها من قديم الدهر فلا يلقى لها بالا إلا رد التحيه بتعجرف و سلطه ..
يصعد الى مكتبه ويرى مكتبته العامرة بشتى انواع العلوم ... هاهو البخاري و مسلم و مؤلفات فرويد .. و العديد من الملفات التي تنتمي إلى عالم لا يراه الا من هم على شاكلته.. عالم سري للغاية ..
لا يطيق الجلوس على مكتبه من فرط الاشتياق ليوم جديد و تحد آخر ..
ينظر الى حاسوبه يختر الرقم ويراجع بتلهف الملف ..
ثم يأخذ حقيبته و يسيرفي تلك الردهه البائسه .. يمر على أبواب قد شهدت ما يشيب له الولدان...
يسمع من خلفها الانين .. والألم .. تتابع عينيه بلهفه الارقام المدونه عليها ..
ها هو ذا هدفه ..
الباب الكبير الأسود ..
يقف أمامه للحظه يبتسم في فرح و اثارة... يوسع من ربطه عنقه الانيق و يدير مزلاجه الاسود ..
وقد علم أنه سيعود الى حياته الحقيقه مرة أخرى ..
قد علم أن المرح سيبدأ بعد لحظات
**********
( 3 )
( 3 )
تشق العربه ضخمة العجلات طريقها وسط الصحراء تتبعها بألحاح عاصفه من الرمال ... يهرول بها السائق بلا داعى للتعجل ولكنها العنترية التى تعصف بها نفسه .
وبداخلها مجموعة من الساده المرموقين من مرتدى البزات الرسمية مع الكثير من النظارات الشمسية .. ( نحن قوم شديدى المراس فلا يمكن ان ترى اين ننظر )
ووسط هذا الحشد تلحظ معطفا ابيض لا يمكن ان يرتديه الا طبيب...
يريح جانب وجهه على زجاج النافذة السميك وترتفع يده ممسكه بألاطار المعدنى أعلى النافذة..
تلاحق نظراته ذرات الرمال على جانب الطريق شارد الذهن يصم اذنيه هدير محرك السيارة القوى .
****
هوطبيب شاب فى السنه النهائية على اعتاب التخرج .. يحلم بالكثير .. وذهنه مزدحم بأمجاد أبن سينا وجالينوس ومجدى يعقوب يشعر وكأنه جاء ليصنع الفارق ..ولكنه كان فى حاجه للكثير من الوقت ليتخلص من هذه الافكار السخيفة ..
يصطدم بالحياة وتتحطم أماله على صخرة واقع ( ليس لمجرد أنك تريد أنك ستصبح ).. ووسط بحر الأحلام الذى يعصف بنفسه إذ بقسوة الفساد تغير حياته للأبد ..
يشرد بذهنه متذكرا ايام دراسته الجامعيه عندما طُلب منه كتابة تقارير تحدد نشاطات بعض زملائه فى الكلية .. ولأنه كان لايزال نظيفا رفض وبشدة واستمات على موقفه حتى أبرزوا له الكروت القذرة فأدرك أنهم يعرفون عنه الكثير ويمكنهم أن يضروه بشدة لو أرادوا ..
ولهذا كان عرض لا يستطيع رفضه ..
وبعد التخرج كان عليه أن يعمل معهم لأن شباك العنكبوت كانت محكمه ..
تقطع ذكرياته الأسلاك الشائكه المتوجه لذلك السور البشع والذي تمر حافلته من بوابته ..
ينظر الي المبنى القابع بداخل تلك الأسوار و يتذكر مقابلته الثانيه بعدما علم كنه عمله ..
- أنا اسف حضرتك .. انا معنتش مستحمل .. متخرجتش من كلية الطب علشان اعمل كده .
قابله الجالس أمامه بنظره بارده قائلا :
- طلبك على مكتب ( محسن بك ) .. بكره هيناقشه معاك وبعدين يرفضه .
- يرفضه ! أظن من حقى امشى وقت ما انا عايز .
- دا لو كنت بتشتغل فى قطاع تانى .. مش هنا .
قالها وقد تراجع فى مقعده بما يعنى أن عليه الخروج ..
غادر المبنى شارد الذهن مبلبل الأفكار.
تعيده رجه مكابح السيارة إلى واقعه المؤلم مرة آخرى ليترجل منها ويغمض عينيه ألما من أثر الذكرى الأليمه المخزية ..
عندما تلقى في تلك الليله مظروف كتب عليه بخط منمق أنيق ( الإداره ) وكان به قرص كوميوتر...
بخوف وهلع شاهد محتوى القرص.. شاهده ليشعر بدمعه حاره تسيل على وجهه .. ويعض شفتيه الما .. لقد وصلوا الى حجرة نومه ..
ادرك في هذه اللحظه انه قد غاص كثيرا فى هذا المستنقع العفن .. وأتسخت قدماه بالكثير من الوحل ..
لقد اصبح جزء من لعبة كبيرة قذرة .. وعلق بها الى الأبد .
يخطوا داخل المبنى بخطى بطيئه ثقيله .. وفى طريقه يستمع الى أصوات طالما تعود أن يسد أذناه عنها طويلا ..
ترى لماذا يشعر دائما أن معطفه الطبى الأبيض يحمل بقع دمويه ؟!
وصل الى ممر تتراص على جوانبه أبواب حديدية ضخمة .. يجر قدميه ليمر بين الأبواب متجاهلا صوت الأنين الصادر من اغلبها ..
يبحث عن ضالته الغرفة ذات الباب الأسود الكبير .. يقترب من الغرفة المشئومة و صوت الصرخات من داخلها يخبره أن مازال هناك وقت ليمارس عمله ..
كانت مهمته أبقاء الضحية على قيد الحياة أطول وقت ممكن .. وكذالك البقاء عليها بكامل وعيها أطول فترة ممكنة حتى يستطيعوا أنتزاع منها الكثير من المعلومات .
كلما أقترب كلما ختفتت الصرخات.. كلما تسارعت خطواته وقبلها دقات قلبه .. كلما خمدت محاولات التمسك بالحياة من داخل الغرفه ....
يدفع الباب الاسود بقوة ...
ليدرك أنه قد تأخر كثيرا ..
فلقد سكنت الصرخات .. وسكن الجسد ..
يحنى رأسه في هلع ...
ليرى أن معطفه الأبيض قد ازداد حمرة .
تمــــــــــــــــــت بحمد الله
الإثنين 2 أغسطس 2010 - 0:46 من طرف armanya
» سجل دخولك بالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم
الإثنين 2 أغسطس 2010 - 0:37 من طرف armanya
» اهدائى الى........
الإثنين 2 أغسطس 2010 - 0:32 من طرف armanya
» فزورة المفتش كرومبو على طريقتى أنا
الإثنين 10 أغسطس 2009 - 11:44 من طرف armanya
» ورد لاطيب عضو في المنتدي
الخميس 9 أبريل 2009 - 0:39 من طرف armanya
» دكتور مصطفى محمود
الإثنين 6 أبريل 2009 - 23:29 من طرف mahetab
» شوربة القرع العسلى اللذيذة أوووووووووى
الإثنين 6 أبريل 2009 - 23:28 من طرف mahetab
» سؤال وجواب (فتوى شرعية)
الإثنين 6 أبريل 2009 - 20:50 من طرف mahetab
» كلمتين ع الماشى 2(زجل بقلم أخويا أيمن)
الأحد 5 أبريل 2009 - 21:49 من طرف mahetab
» "حصريا برنامج mmc tools الجديد لإصلاح كروت الميمورى التالف
الإثنين 30 مارس 2009 - 11:37 من طرف A7MD
» عبر عن حالتك بأغنيه
السبت 28 مارس 2009 - 16:05 من طرف CaPtAiN 7oOdA
» يلا الحق بسرعة كيفية الاشتراك في موقع رابيدشير مجانا
الأربعاء 18 مارس 2009 - 19:53 من طرف mjjm
» i am back
الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 0:54 من طرف mahetab
» قرد موبينيل قرر عدم الرجوع إلى مصر نهائيآ
الجمعة 13 فبراير 2009 - 17:34 من طرف mahetab
» هم و احنا
الخميس 12 فبراير 2009 - 17:13 من طرف blue sky